كلمة سماحة السيد حسن نصر الله في افتتاح معلم مليتا - اقليم التفاح - جنوب لبنان

21 أيار/مايو 2010
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق والمرسلين سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين .
السادة والسيدات الإخوة والأخوات أيها الحفل الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في البداية أرحب بكم جميعا ويشرفني أن أكون معكم لنفتتح سوياً هذا المعلم السياحي الذي نرجو أن يكون خطوة صحيحة ومباركة وتأسيسية في طريق طويل نحافظ فيه على تاريخ مقاومتنا الباسلة ونحيي فيه ثقافتها وتضحياتها وانتصاراتها. وقد اخترنا لهذا الحفل ولهذا الافتتاح هذا اليوم، 21 أيار لما له من معنى ورمزية ودلالة. بالرغم من أن ما أنجز حتى الآن في هذا المعلم السياحي المسمى مليتا على اسم الأرض التي أقيم عليها. ولم ينجز إلا المرحلة الأولى وبجهد متواصل في الليل وفي النهار من الإخوة الذين أتوجه إليهم بالشكر جميعا.
اخترنا يوم 21 فقط للتذكير أنه في مثل هذا اليوم في الساعة العاشرة صباحا كان أهالي بلدتي القنطرة التي كانت تحت الإحتلال وبلدة الغندورية مع أهل آخرين يجتمعون في حسينية بلدة الغندورية لإحياء مناسبة عزاء فقيدة من العائلات الكريمة.
في ذلك اليوم الذي جاء بعد أسابيع وأشهر من العمل المتواصل الذي استهدف مواقع الاحتلال وبالخصوص جيش عملاء الاحتلال، العمليات الدؤوبة والمتواصلة والشبه يومية والتدميرية كانت قد أدت إلى إضرار قوات الاحتلال إلى إخلاء بعض المواقع الأمامية ومنها موقع القنطرة.
في 21 أيار 2000، الخطوة الأولى والحاسمة على طريق التحرير اتخذها الناس الذين هم في الحقيقة هم قادة المقاومة، المجتمعون في بلدة الغندورية في الحسينية أخذوا قراراً ذاتياً باقتحام المعبر وتحطيم الباب الحديدي واقتلاع كل الحواجز الموضوعة والعودة إلى بلدتهم بلدة القنطرة. ودخل الرجال والنساء العزّل بلا سلاح وكان الاقتحام الأول وتهاوت بعدها كل المواقع وكل الأسوار. في 22 أيار و23 أيار وفي الرابع والعشرين من أيار حسمت المعركة وفي الخامس والعشرين من أيار احتفلنا سويا في عاصمة المقاومة والتحرير مدينة بنت جبيل.
اخترنا هذا اليوم لأن هناك صلة قوية وعميقة بين الزمان والمكان والمناسبة.
اسمحوا لي في هذه الكلمة أن أتحدث بكلمة عامة لها علاقة بالمقاومة وتاريخها ومسؤوليتها، وكلمة عن مليتا التي نفتتح معلمها اليوم وكلمة أخيرة مضطر لها بسبب الأجواء الإعلامية التي تحيط الآن بالانتخابات البلدية في الجنوب، ومناورات العدو الإسرائيلي ( نقطة تحول ـ أربعة ) .
في النقطة الأولى، من الثابت والواضح والبديهي أن تاريخ أي شعب أو أمة أو قوم أو فئة أو منطقة أو دولة أو بلد هو جزء مكون وأساسي من هويتها، يعبّر عن ماضيها بكل ما فيه وله تأثير بالغ على مسار حركتها في الحاضر ومآل أحوالها في المستقبل.
والأمم والشعوب الحية تحافظ على تاريخها تستلهمه وتستحضره وتفخر به، تستقوي به أحيانا وتبرز مظلوميتها من خلاله أحيانا أخرى، تعلمه لأجيالها القائمة والقادمة، وتستخدم للحفاظ على تاريخها وإحياء هذا التاريخ كل الوسائل والإمكانات المتاحة والمتناسبة مع تطورات كل عصر.
تاريخياً، في الماضي والحاضر الآن من أجل حفاظ أي أمة أي شعب أي قوم أي فئة إذا كانت تريد أن تحافظ على تاريخها تستخدم وسائل متنوعة ومتعددة.
على سبيل المثال كتابة التاريخ وتدوينه، كتابة السيّر، سيرة الأشخاص، سيرة الكبار، سيرة عائلات، سيرة قوى ، سيرة مناطق ، الحفاظ على التاريخ الأدبي الذي يعبّر عن حقبة تاريخية معينة، دراسات تاريخية، تحقيقات تاريخية، الحفاظ على المعالم الأثرية وحمايتها وصيانتها، لأن الشعب الذي يدمّر المعالم الأثرية لديه معنى ذلك انه يتبرأ من تاريخه ويخجل بتاريخه، ولا يفقه قيمة التاريخ وتأثير التاريخ، كما فعل ويفعل بعض الجهّال في أماكن ما من العالم.. تكريس رموز وأسماء وأحداث في الوجدان الشعبي على مدى أجيال، إحياء مناسبة تاريخية بشكل سنوي أو بشكل دوري، بوسائل مختلفة: احتفالات دورات، مؤتمرات، ندوات، الخ.. أفلام وثائقية أفلام سينمائية، مسلسلات، توثيق، مراكز التوثيق، المعارض، معارض الرسم، الفن الشعر، الأدب، الزجل، ما شاء الله من وسائل، ومع تطور العصر هناك وسائل أخرى أيضاً أصبحت متاحة وأكثر قدرة على التعبير وأكثر جمالية.
من جملة هذه الوسائل المستخدمة قديمة وحديثا إقامة المتاحف على أنواعها: متاحف شخصيات، متاحف أحداث، متاحف فنية تعبر عن تاريخ، ومن أهم هذه المتاحف هو ما يركز على حدث تاريخي معين، وعلى حقبة زمنية معينة، وهذا موجود في كل الأماكن.
قبل مدة كنت أشاهد بعض الأفلام الوثائقية على التلفاز، وكانوا يعرضون متحف " فتح القسطنطينية" على سبيل المثال . في العادة، الدول والجيوش التي تخوض حروباً، وتنتصر فيها تنشأ متاحف كبيرة تتضمن مشهداً بانورامياً لحركة جيشها ومراحله وانتصاراته وانجازاته.
حتى بمعزل عما يعرض في هذه المتاحف، هل هو حقيقي أو ليس حقيقياً، مبالغ فيه أو ليس مبالغاً فيه، لكن هذا أسلوب يستخدم اليوم. وحتى أعداؤنا، الحركة الصهيونية في العالم، ولا نريد خوض نقاش عن المحرقة ، لكن هم يتحدثون عن محرقة، وألّفوا كتباً وكتبوا تحقيقات وأنتجوا أفلاما سينمائية حتى الآن، ويعرض بعضها على شاشاتنا العربية ويدخلوا الموضوع في أي فلم وإن لم يكن له علاقة سواء كان اجتماعياً أو سياسياً، أو ترفيهياً أو فنياً.. أقاموا للهلوكوست متاحف في عدد من عواصم العالم، حتى أينما ذهب الإنسان شاهد متحفاً عن المحرقة، بمعزل إن كانت صحيحة أم لا أم دقيقة أم لا وما هو حجمها، لا نود الدخول في هذا الموضوع.
اليوم نحن في افتتاح هذا المعلم نحاول أن نقوم بخطوة متواضعة نسبة لتاريخنا وتاريخ بلدنا ولتاريخ شعبنا ولتاريخ هذه المقاومة في لبنان لحجم التضحيات التي قدمت، ولحجم الانتصارات التاريخية التي تحققت.
نحن نحاول من خلال هذا المتحف، متحف مليتا، أن نقدم جهدا على طريق حفظ التاريخ، وإحيائه وتقديم صورة مشرقة وواقعية وحقيقية عن هذا التاريخ.
بناءً على كل هذه المقدمة أود أن أستفيد من فرصة هذا اللقاء والذي يحضره هذا الحشد المبارك من الشخصيات السياسية والإعلامية والاجتماعية والفنية والثقافية.. أن أقول إن من أهم مسؤوليتنا أيها الإخوة والأخوات جميعا على المستوى الوطني في هذه المرحلة أن نرعى تاريخ المقاومة، وإن أردت الحديث عن تاريخ لبنان فهذا موضوع معقد وشائك وصعب، من أصعب الملفات هو كتابة تاريخ لبنان، نتيجة التعقيدات الموجودة في البلد، التعقيدات المذهبية والطائفية والمناطقية، للأسف في لبنان لكل منطقة تاريخها ولكل طائفة تاريخها ولكل عائلة تاريخها وحتى لا يوجد تاريخ لطائفة، لأنه في الطوائف اللبنانية طوال التاريخ كان هناك زعامات وصراعات وكان يكتب بعض جوانب التاريخ من زاوية الزعيم المتنفذ.
لا أريد الدخول في هذا الموضوع الشائك، لكن أريد أن أقول إن هناك مقاومة في لبنان بدأت منذ عام 1948 وليس منذ عام 1978 ولا عام 1982، منذ بداية الكيان الصهيوني واحتلال الصهاينة لفلسطين المحتلة وتواجدهم العدواني على حدود لبنان وفلسطين كان تاريخ طويل من الاعتداء ومن الاحتلال ومن التهديد، وتاريخ طويل من المقاومة والصمود والتحدي.
في مرحلة من المراحل عبّر عنه أهالي القرى والمناطق الأمامية وعبّر عنه الجيش اللبناني وقادة وضباط في الجيش اللبناني بالرغم من الإمكانيات المتواضعة التي كانت بين أيديهم، وعبّرت عنه قوى أمنية كانت تتواجد في مخافر القرى الأمامية.
وفي مرحلة لاحقة أخذت المقاومة أشكالاً متقدمة من خلال حضور فصائل المقاومة الفلسطينية والتحاق الشباب اللبناني بفصائل المقاومة الفلسطينية، وصولا إلى تشكل فصائل لبنانية مقاومة في إطار الأحزاب الوطنية والإسلامية وكانت الطليعة في إعلان الإمام السيد موسى الصدر أفواج المقاومة اللبنانية، وتواصل هذا التاريخ، تاريخ المقاومة بعد 78 وعام 1982 وولدت مقاومة جديدة تستند إلى كل هذا الإرث وإلى كل هذا التاريخ وإلى كل هذه الإنجازات وإلى كل هذا الحضور وإلى كل هذه التضحيات. فكان ما نسميه نحن بالمقاومة الإسلامية، وكان حضور حزب الله كفصيل أساسي في حركة المقاومة.
ومنذ عام 48 وحتى اليوم هناك مقاومة في الميدان، مقاومة عسكرية، هناك مقاومة شعبية من الذين صمدوا وثبتوا وبقوا في أرضهم مع فقدان الحماية، هناك مقاومة سياسية، هناك مقاومة فكرية، هناك مقاومة إعلامية، هناك مقاومة إجتماعية، هناك جهود جبارة أقيمت في لبنان في مواجهة المشروع الصهيوني والنفوذ الصهيوني والتسلل الصهيوني إلى الساحة اللبنانية وإلى كل أماكن هذا الوطن إلى الدولة وإلى المؤسسات إلى الأحزاب وإلى الطوائف والمذاهب والناس الطيبين والعاديين إلى القرى والبلدات.
هذا تاريخ مقاومة، وهذا تاريخ معاصر، يجب أن نذكر أيضا بعد 75 و76 و82 وحتى بعد ذلك أيضا وجود الجيش العربي السوري على الأراضي اللبنانية والتضحيات الكبيرة من الشهداء والجرحى التي قدمها.
هذا تاريخ معاصر الآن له أفلامه ووثائقه ومستنداته وشهوده والكثير من ذك الجيل ما زال على قيد الحياة يمكن أن نسأله ونتحدث إليه ونستقي منه المعلومات.
قلت هذا لأقول إن هناك مسؤولية كبيرة، فلندوّن تاريخ المقاومة في لبنان في أبعادها المختلفة ونستطيع أن نفعل ذلك وهذا يحتاج إلى جهد جماعي، حتى الآن ما أنجز هو جهود شخصية أو حزبية. هناك تحقيقات أو كتب ألّفت عن قادة في المقاومة، عن شهداء في المقاومة، عن فصائل في المقاومة، حتى نحن في حزب الله لم نقدم دراسة أو كتاباً تاريخياً أو حتى فيلماً وثائقياً شاملاً ومتسعاً. نحن نتحدث عن مقاومة حزب الله ولكن هذا لا يعني أن هذه هي كل المقاومة، هذا جزء من المقاومة ومرحلة من المقاومة سبقتها مراحل وحركات مقاومة قدمت تضحيات جسيمة وما زالت بعض هذه الحركات موجودة وتقدم تضحيات جسيمة.
إذا نحن بحاجة إلى هذا الجهد الجماعي لندوّن تاريخ المقاومة في لبنان بشكل يأخذ بعين الاعتبار كل الوقائع الحقيقية لا نريد تأليف الأساطير ولا نريد أن نكذب على الناس ولا نريد أن نخترع. التاريخ كما هو نقوله كما هو، مكان وجود الإخفاق نقول هنا كان إخفاق وهنا كان خطأ وهنا كان انجاز وهنا انتصار لأن هذا التاريخ عبرة ومدرسة. وعندما يكون شيء نخجل منه نكتبه ، وكما الشيء الذي نفتخر به نكتبه لنقول للأجيال القادمة لا تخطئوا كما أخطأنا هنا خجلنا وهنا رفعنا رأسنا. تاريخ يأخذ بعين الاعتبار الأدوار الحقيقية فلا يستثني أحدا ولا يتجاهل أحدا ولا ينتقص من حق أحد ولا من دور أحد ولا من تضحيات أحد.
كل القيادات دينية سياسية، الأحزاب حركات، تيارات، طوائف، مذاهب، مناطق، مدن، قرى، بلدات، الناس بمختلف فئاتها وشرائحها، تاريخ يبرز هذه التضحيات الكبرى والحقيقية التي قدمت.
وإذا استطعنا أن ندوّن تاريخاً من هذا النوع ( طبعاً من الصعب أن يكتب تاريخ حتى بجهد جماعي وأن يكون مرضياً للجميع، لكن ان يكون منصفا ما أمكن، أقرب ما يكون إلى الحقيقة والواقع ) إذا دونا هكذا تاريخ يشكل قاعدة لكل الدراسات والتحقيقات وكل نشاط من الممكن أن يعمل أفلام وسيناريوهات ومسرحيات وندوات ومؤتمرات ومحاضرات، وإحياء معالم جهادية.
تارة نأتي إلى جبل أو تلة أو إلى وادٍ أصلا لم يجرِ فيه شيء وليس له علاقة بتاريخ المقاومة ونصنع منه معلما.
تارة اخرى نأتي إلى مكان مختلف كما سأتحدث بعد قليل عن مليتا ونؤسس على هذا التاريخ لحركة نهوض وإحياء للمقاومة وقيمها ومفاهيمها وانجازاتها ومعالمها على امتداد الوطن وخاصة في الجنوب وجبل عامل.
في هذا السياق يأتي هذا العمل، مليتا، وهو اسم المكان نفسه، نحن في الحقيقة بموضوع مليتا والمعلم الذي سيفتتح اليوم ، بالنقاش كنّا أمام خيارين : (الأول) أنّه علينا إنشاء متحف، وكما قال " الشيخ علي " قبل قليل ، بالحقيقة كان الشهيد القائد الحاج عماد مغنية " رضوان الله عليه" من أشد المتحمسين وكان يعمل بالليل والنهار ليكون هناك متحف من هذا النوع، كان دائما يجري نقاش حول مكان إنشاء المتحف، في بيروت باعتبارها العاصمة وأغلب الناس موجودون في بيروت وهي العاصمة التي يأتي إليها الناس من المحافظات، والوفود التي تأتي من الخارج والتي تشارك في المؤتمرات يكون سهلا عليهم الذهاب إلى متحف في بيروت، والخيار الثاني كان ( إنشاء المتحف ) على أرض الجنوب، على جزء من أرض المقاومة، وهذا طبعا لا يلغي فكرة متحف في المستقبل في بيروت لكن أعطيت الأولوية لمتحف على أرض المقاومة لسبب بسيط لأنّه أقرب على الطبيعي من الإصطناعي، أي هذه هي الأرض، لكن إخواننا أنشأوا عليها منشآت رتبوها ونظموها لكن هناك جزء كبير من المعالم الطبيعية الحقيقية تمّ الحفاظ عليها وسترونها، ولأنه على أرض المعركة نكون أقرب إلى العفوية وإلى الحقيقة وإلى الروحية والمعنوية والأنفاس والأجواء التي كانت تسكن هذه المنطقة وما زالت تسكن هذه المنطقة، ولذلك كان الخيار على أرض الجنوب.
على أرض الجنوب اخترنا مليتا، مليتا هذه الأرض هي من أقدم مواقع المقاومة الإسلامية التي أنشئت في منطقة إقليم التفاح في مقابل المواقع الإسرائيلية واللحدية التي أيضا يمكنكم مشاهدتها، في مقابل تلك المواقع المحصنة بالدشم وبأهم التحصينات والمسلحة بالدبابات وبالأسلحة المتطورة والمحمية بسلاح الجو الإسرائيلي وبالمدفعية الإسرائيلية، جاء شباب في زهرة العمر من لبنان إلى هذه التلال المقابلة، هذه التلال كما هي كما ترونها، وأقاموا مواقع للدفاع عن بقية الأراضي المحررة ومواقع للانطلاق منها لشن عمليات وغارات على مواقع الاحتلال والدوريات الإسرائيلية واللحدية التي كانت تسير في المنطقة في سياق عمل المقاومة المتواصل في استنزاف العدو لإجباره على إخلاء الأرض والاندحار منها.
جاء هؤلاء الشباب إلى هذه التلال وحفروا الخنادق بأيديهم واقتلعوا الصخور وأقاموا مغارات وكهوف، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك إمكانات لعمل اسمنت وباطون مسلح على مستوى الإمكانات المادية، أقاموا الدشم والمتاريس، وعلى ظهورهم نقلوا السلاح والذخائر والإمكانات والطعام والمؤن صعودا ونزولا ـ وطبعا الإخوة أجروا تحسينات كبيرة في المسار الذي سترونه ـ ومع ذلك ستجدون أنّ بعض هذا المسار شاق على المستوى الجسدي، وعاش آلاف من المجاهدين الذي جاؤوا إلى هذه المنطقة وذهبوا، خدموا لشهور ولسنوات وخصوصا في أجواء البرد القارس التي تعرفونها عن هذه المنطقة، هذه المواقع كانت دائمة الحضور بهؤلاء الرجال وهؤلاء الشباب وهؤلاء المضحين. من هذه الأرض انطلقت عمليات كبيرة ومهمة جداً باتجاه كل المواقع الموجودة على مرمى أبصاركم واقتحم مجاهدو المقاومة قلاع العدو وقدّموا الشهداء وقدموا التضحيات وألحقوا الهزيمة النكراء بهذه العدو.
هنا في هذه الأرض التي تقفون عليها، هنا قاتلوا وصمدوا تحت الغارات الجوية والقصف المدفعي، هنا صلّوا ودعوا وناجوا ربهم، هنا كانوا صلة الوصل بين الأرض والسماء، هنا كانت أرواحهم حبلا متصلا بين الأرض والسماء لا ينقطع، حبلا من نور وأمل وعشق وحب ورجاء وتوكل، هنا سالت دماءهم فكان الجرحى وهنا قدموا أرواحهم زكية فكان الشهداء، هنا كان السيد عباس يحتضن المجاهدين ويقيم لهم مجالس الدعاء ويودعهم في اللحظات الأخيرة إلى اقتحام المواقع ، هنا ارض الصفاء والنقاء والطهر والتضحية والعطاء وأهل الجود وأعلى الجود، هنا أرض الشجاعة والثبات والصمود والوفاء، وهنا منذ البداية ـ وهو الأساس ـ أرض المعرفة واللهفة والعبادة والحب والشوق والعشق، وهنا أرض الجهاد، جهاد النفس التي تركت الدنيا ومَن فيها وما فيها خلف ظهرها وهاجرت إلى الله، إلى التلال والوديان، وجهاد العدو الذي أراد إذلال أمتنا واحتلال أرضنا وقهر إرادتنا فرفضت وأبت تلك الأنفس الأبية الوفية أن تقبل بهذا الضيم وبهذا الذل وبهذا الهوان، فكان الحضور الكبير في أرض المقاومة. نعم هنا بعض حكاية الأرض للسماء.
سأكتفي بهذا المقدار وسأدع المشهد يتحدث، هنا جزء من ثقافة المقاومة وروح المقاومة وقيم المقاومة وعنفوان المقاومة وأخلاق المقاومة وعشق المقاومة وهذا هو جوهر المقاومة لمن يريد أن يدرس هذه التجربة. المسألة ليست مسألة السلاح والصاروخ والمدفع والدشمة، المسألة هي مسألة الرجال والشباب والعقول والقلوب والأرواح والإرادات والعزائم والثبات الذي عبّرت عنه هذه المقاومة في كل مراحلها.
فلتبقَ بقية الكلام في ذكرى المقاومة والتحرير لعيد المقاومة والتحرير في 25 أيار , وأشكر حضوركم جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بإشراف الجمعية اللبنانية للسياحة والتراث

All rights are preserved ©جميع الحقوق محفوظة 2013